سورة المجادلة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{قَدْ سَمِعَ الله} بإظهارِ الدالِ وَقرئ بإدغامِهَا في السِّينِ {قَوْلَ التى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} أيْ تراجعكَ الكلامَ في شأنِهِ وفيمَا صدرَ عنْهُ في حَقِّهَا من الظهارِ وَقرئ: {تُحاوركَ} وَ{تُحاولكَ} أَيْ تسائلكَ {وَتَشْتَكِى إِلَى الله} عطفٌ عَلَى تجادلكَ أيْ تتضرعُ إليهِ تَعَالَى وَقيلَ حالٌ منْ فاعله أيْ تجادلكَ وَهيَ مُتضرعةٌ إليهِ تَعَالَى وَهِيَ خَوْلَة بنتُ ثَعْلبةَ بنِ مالكِ بنِ خُزامةَ الخزرجيةُ، ظاهرَ عنْهَا زوجُهَا أَوْسُ بْنُ الصامتِ أخُو عُبَادةَ ثُمَّ ندِمَ عَلَى مَا قالَ فقالَ لَها مَا أظنكَ إِلاَّ قَدْ حرمتِ عليَّ فشقَّ عَلَيْهَا ذلكَ فاستفتتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ حرُمتِ عليهِ فقالتْ يا رسولَ الله ما ذكَرَ طَلاقاً فقالَ حرمتِ عليهِ. وَفي روايةٍ: مَا أُراكِ إلا قدْ حرمتِ عليه في المرارِ كُلِّها فقالتْ أشكُو إِلى الله فَاقتِي وَوَجْدِي وجعلتْ تراجعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَكُلَّما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ حرمتِ عليهِ هتفتْ وشكتْ إِلَى الله تَعَالَى فنزلتْ وَفي كلمةِ قَدْ إِشعارٌ بأنَّ الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ والمجادلةَ كانَا يتوقعانِ أنْ يُنزلَ الله تعالَى حكَم الحادثةِ ويفرجَ عَنْهَا كَرْبَهَا كَمَا يلوحُ بهِ مَا رُويَ أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ قالَ لها عندَ استفتائِها مَا عندِي في أمركِ شيءٌ وَأَنَّها كانتْ ترفعُ رأْسَهَا إِلى السماءِ وتقولُ: اللهمَّ أَني أشكُو إليكَ فأنزلْ عَلى لسانِ نبيكَ ومَعنْى سَمْعِهِ تَعَالَى لقولِهَا إجابةُ دُعائِها لاَ مجردَ علمِهِ تَعَالى بذلكَ كما هُوَ المَعْنِيُّ بقولِهِ تَعَالَى: {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما} أيْ يعلُم تراجعَكُمَا الكلامَ وَصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على استمرار السمعِ حسَبُ استمرارِ التحاورِ وتجددِهِ وَفي نَظْمِها في سلك الخطابِ تغليباً تشريفٌ لَهَا منْ جهتينِ وَالجملةُ استئنافٌ جارٍ مَجْرَى التعليلِ لِمَا قبلَهُ فإنَّ إلحافَهَا في المسألةِ ومبالغَتَها في التضرعِ إِلى الله تَعَالَى ومدافعتَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إِيَّاهَا بجوابٍ منبىءٍ عنِ التوقفِ وترقبِ الوحِي وَعِلمَهُ تَعَالَى بحالهِمَا منْ دَواعي الإجابةِ وَقيلَ هيَ حالٌ وهُوَ بعيدٌ وَقَولُهُ عزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} تعليلٌ لِمَا قبلَهُ بطريق التحقيقِ أيْ مبالغٌ في العلمِ بالمسموعات والمبصَراتِ وَمنْ قضيتِهِ أنْ يسمعَ تحاورَهُمَا ويَرَى ما يقارنُهُ منَ الهيئاتِ التي منْ جُملِتَها رفعُ رأسِهَا إلى السماءِ وسائرُ آثارِ التضرعِ. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في الموقعينِ لتربيةِ المهابةِ وتعليلِ الحكمِ بوصفِ الألوهيةِ وتأكيدِ استقلالِ الجملتينِ.


وَقَوْلُه تَعَالَى: {الذين يظاهرون مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ} شروعٌ في بيانِ شأنِ الظهارِ في نفسِهِ وحكمِه المترتبُ عليه شَرْعاً بطريقِ الاستئنافِ والظهارُ أنْ يقولَ الرجلُ لامرأتِهِ أنتِ عليَّ كظهرِ أُمِّي مشتقٌ منَ الظهرِ وَقدْ مرَّ تفصيلُهُ في الأحزابِ وألحقَ بهِ الفقهاءُ تشبيهَهَا بجزءٍ مُحرمٍ. وَفي منكُمْ مزيدُ توبيخٍ للعربِ وتهجينٌ لعادتهمْ فيه فإنَّهُ كانَ منْ أيمانِ أهلِ جاهليتهِمْ خَاصَّة دونَ سائرِ الأممِ وَقرئ: {يُظّاهرونَ} منْ اظّاهرَ ويظَاهرونَ ويظْهرونَ وقولُه تَعَالَى: {مَّا هُنَّ أمهاتهم} خبرٌ للموصولِ أَيْ ما نساؤُهُم أمهاتُهُم عَلَى الحقيقةِ فهُوَ كذبٌ بحتٌ وَقرئ: {أمهاتُهم} بالرفعِ عَلى لُغةِ تميمٍ وبأمهاتِهم {إِنْ أمهاتهم} أيْ مَا هُنَّ {إِلاَّ اللائى وَلَدْنَهُمْ} فَلاَ تشبَّهُ بهنَّ فِي الحُرمةِ إِلا منْ ألحقَهَا الشرعُ بهنَّ منَ المرضعاتِ وأزواجِ النبيَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فدخلنَ بذلكَ في حُكمِ الأمهاتِ وَأمَّا الزوجاتُ فأبعدُ شيءٍ منَ الأُمومةِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ} بقولِهم ذلكَ {مُنكَراً مّنَ القول} عَلى أنَّ مناطَ التأكيدِ ليسَ صدورَ القولِ عنْهمْ فإنَّه أمرٌ محققٌ بلْ كونَهُ منكراً أيْ عندَ الشرعِ وعند العقلِ والطبعِ أيضاً كما يشعرُ بهِ تنكيره ونظيرُهِ قَولُهُ تعالَى إنكُمْ لتقولونَ قولاً عظيماً {وَزُوراً} أيْ محرفاً عنِ الحَقِّ {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أيْ مبالغٌ في العفو والمغفرةِ فيغفرُ لمَا سلفَ منْهُ عَلَى الإطلاقِ أَوْ بالمتابِ عنْهُ وقولُه تَعَالَى: {والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} تفصيلٌ لحكمِ الظهارِ بعدَ بيانِ كونِهِ أمراً منكراً بطريقِ التشريعِ الكليِّ المنتظمِ لحكمِ الحادثةِ انتظاماً أولياً أيْ والذينَ يقولونَ ذلكَ القولَ المنكرَ ثمَّ يعودونَ لما قالُوا أَيْ إِلى مَا قالُوا بالتداركِ والتلافِي لاَ بالتقريرِ والتكريرِ كَما في قولِه تَعَالَى: {أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً} فإِنَّ اللامَ وإِلى تتعاقبان كَثيراً كَما في قولِهِ تَعَالى: {هَدَانَا لهذا} وقولِهِ تَعَالَى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} وقوله تعالى: {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ} {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي فتداركُهُ أو فعليهِ أوْ فالواجبُ إعتاقُ رقبةٍ أيَّ رقبةٍ كانتْ وعندَ الشافعيِّ رحمَهُ الله تَعَالَى يشترطُ الإيمانُ، والفاءُ للسببيةِ ومن فوائدِها الدلالةُ على تكررِ وجوبِ التحريرِ بتكررِ الظهارِ وَقيلَ: {ما قالُوا} عبارةٌ عَمَّا حرَّمُوهُ عَلى أنفسِهمْ بلفظِ الظهارِ تنزيلاً للقولِ منزلةَ المقُولِ فيهِ كَما ذُكرَ في قولِهِ تَعَالَى: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أَي المقولُ فيهِ منَ المالِ والولدِ فالمَعْنَى ثُمَّ يريدونَ العودَ للاستمتاعِ فتحريرُ رقبةٍ {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} أيْ مِنْ قبلِ أنْ يستمتعَ كلٌ منَ المُظاهِرِ وَالمُظاهَرِ منْهَا بالآخرِ جماعاً وَلَمساً ونظراً إلى الفرجِ بشهوةٍ وإنْ وقعَ شيءٌ من ذلكَ قبلَ التكفيرِ يجبُ عليهِ أنْ يستغفرَ ولا يعودَ حتَّى يكفرَ وإنْ أعتقَ بعضَ الرقبةِ ثمَّ مسَّ عليهِ أنْ يستأنفَ عندَ أبي حنيفةَ رحمَهُ الله تَعَالَى {ذلكم} إشارةٌ إِلى الحكمِ المذكورِ وَهُوَ مبتدأٌ خبرُهُ {تُوعَظُونَ بِهِ} أيْ تزجرونَ بهِ عنِ ارتكابِ المنكرِ المذكورِ فإنَّ الغراماتِ مزاجرٌ عنْ تعاطِي الجناياتِ والمرادُ بذكرِهِ بيانُ أنَّ المقصودَ منْ شرعِ هَذَا الحكمِ ليسَ تعريضكُمْ للثوابِ بمباشرتكُمْ لتحريرِ الرقبةِ الذِي هُوَ علمٌ في استتباعِ الثوابِ العظيمِ بلْ هُوَ ردعُكم وزجرُكم عنَ مباشرةِ ما يوجبُهُ {والله بِمَا تَعْمَلُونَ} منَ الأعمالِ التي منْ جُملتِها التكفيرُ ومَا يوجبُهُ من جنايةِ الظهارُ {خَبِيرٌ} أَيْ عالمٌ بظواهِرِهَا وبواطِنَها ومجازيكُم بهَا فحافظُوا على حدود ما شرعَ لكُمْ وَلاَ تُخلُّوا بشيءٍ منْهَا.


{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} أيْ الرقبةَ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أيْ فعليهِ صيامُ شهرينِ {مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} ليلاً أوْ نهاراً عمداً أَوْ خطأً {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} أيْ الصيامَ لسببٍ منَ الأسبابِ {فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً} لكُلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ منْ بُرَ أَوْ صاعٌ منْ غيرِهِ ويجبُ تقديمُهُ عَلَى المسيسِ لكن لا يستأنفُ إنْ مسَّ في خلالِ الإطعامِ {ذلك} إِشارةٌ إِلى مَامرَّ من الباينِ والتعليمِ للأحكامِ والتنبيُهُ عليهَا وَمَا فيهِ منْ معنى البُعدِ قَد مَرَّ سرُّهُ مِراراً ومحلُّه إمَّا الرفعُ عَلَى الابتداءِ أو النصبُ بمضمرٍ معللٌ بَما بعدَهُ أيْ ذلكَ واقعٌ أو فعلُنَا ذلكَ {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} وتعملُوا بشرائعِهِ التي شرعَهَا لكُم وترفضُوا ما كنتُم عليه في جاهليتِكُم {وَتِلْكَ} إشارةٌ إِلى الأحكامُ المذكورةِ وما فيه من مَعْنى البُعدِ لتعظيمِها كما مَرَّ غيرَ مرةٍ {حُدُودَ الله} التِي لا يجوزُ تعدِّيهَا {وللكافرين} أي الذينَ لا يعملونَ بَها {عَذَابٌ أَلِيمٌ} عبرَ عنْهُ بذلكَ للتغليظِ عَلَى طريقةِ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} أيْ يعادونَهُمَا ويشاقونهُمَا فإنَّ كلاًّ منَ المتعاديينِ كَما أنَّه يكونُ في عُدوةٍ وشقٍ غيرِ عُدوةِ الآخرِ وشقِّهِ كذلكَ يكونُ في حدَ غيرِ حَدِّ الآخرِ غيرَ أنَّ لورودِ المحادّةِ في أثناءِ ذكرِ حدودِ الله دونَ المعاداةِ والمشاقةِ من حسنِ الموقعِ ما لا غايةَ وراءَهُ {كُبِتُواْ} أيْ أخزُوا وَقيلَ خُذِلُوا وقيلَ أذلُّوا وقيل أهلكُوا وقيلَ لُعنُوا وقيلَ غِيظُوا وهُوَ ما وقعَ يومَ الخندقِ قالُوا معَنْى كُبتوا سيكبتونَ عَلَى طريقةِ قولِه تَعَالَى: {أتى أَمْرُ الله} وقيلَ: أصلُ الكبتِ الكبُّ {كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} منْ كُفَّارِ الأممِ الماضيةِ المعادينَ للرسلِ عليهمْ الصلاةُ والسلامُ {وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايات بينات} حالٌ منْ واوِ كُبتوا أيْ كُبتوا لمحادّتِهم والحالُ أنا قدْ أنزلنا آياتٍ واضحاتٍ فيمنَ حادَّ الله ورسولَهُ ممنْ قبلَهُم من الأَممِ وفيمَا فعلْنَا بهمْ وقيلَ: آياتٌ تدلُّ عَلى صدقِ الرسولِ وصحةِ ما جَاء بهِ {وللكافرين} أيْ بتلكَ الآياتِ أو بكلِّ ما يجبُ الإيمانُ بهِ فيدخلُ فيهِ تلكَ الآياتُ دُخولاً أولياً {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يذهبُ بعزِّهم وَكِبْرِهم.

1 | 2 | 3